كيف تخلق بيئة عمل آمنة لك؟
في عالمنا المتسارع، يقضي معظمنا جزءًا كبيرًا من يومه في العمل. لذلك، فإن البيئة التي نعمل فيها تؤثر بشكل مباشر على صحتنا النفسية والجسدية، إنتاجيتنا، وحتى جودة حياتنا خارج العمل. “بيئة العمل الآمنة” لا تقتصر على السلامة الجسدية فقط؛ بل تمتد لتشمل الأمان النفسي، والقدرة على التعبير، والشعور بالتقدير، والتحرر من الضغوط المفرطة.

الأمان يبدأ من الداخل، وفهمك لحدودك الشخصية هو خط الدفاع الأول. عليك أن تحدد خطوطك الحمراء بوضوح؛ ما الذي يجعلك تشعر بعدم الارتياح، أو الإرهاق، أو عدم الاحترام؟ قد تكون هذه حدودًا زمنية تخص ساعات العمل، أو سلوكيات معينة مثل التنمر والنقد غير البناء، أو حتى مهام تُلقى على عاتقك خارج وصفك الوظيفي. بمجرد تحديد هذه الحدود، عليك أن توصلها بطريقة مهذبة ولكن حازمة. على سبيل المثال، يمكنك القول “يسعدني المساعدة في هذا المشروع، لكنني لن أتمكن من البقاء في الوقت الإضافي هذا الأسبوع.” تدرّب على قول “لا”؛ فهي ليست كلمة سلبية دائمًا، بل هي كلمة قوية تعني “نعم” لصحتك ورفاهيتك.
التواصل هو أساس أي بيئة صحية، ومعرفة كيفية التعبير عن نفسك بوضوح يمكن أن يجنبك الكثير من سوء الفهم والمشاكل. كن استباقيًا ولا تنتظر حتى تتفاقم المشكلة؛ إذا شعرت بضغط أو عدم فهم، تحدث مبكرًا. استخدم لغة “أنا” بدلًا من توجيه الاتهامات؛ فبدلًا من قول “أنت دائمًا تفعل كذا”، قل “أنا أشعر بالضغط عندما…”. هذا يجعل التركيز على تأثير السلوك عليك بدلًا من اتهام الآخر. لا تفترض؛ إذا لم تفهم توجيهًا أو شعرت بأن هناك سوء فهم، اطلب من زميلك أو مديرك التوضيح. وإذا كنت في موقع يسمح لك بتقديم الملاحظات، افعل ذلك بطريقة محترمة وبناءة، مع التركيز على السلوك وليس الشخص.
العزلة في بيئة العمل تزيد من الشعور بالضعف والوحدة. بناء علاقات إيجابية هو مفتاح للأمان. تواصل مع الزملاء الداعمين الذين تشعر بالراحة معهم، والذين يمكنك التحدث إليهم بصدق، والذين يقدمون لك الدعم العاطفي أو المهني. ابحث عن مرشد، سواء داخل الشركة أو خارجها، فوجود شخص ذي خبرة يمكنك استشارته وطلب النصيحة منه يمكن أن يوفر لك منظورًا قيمًا ودعمًا. حتى لو لم تكن شخصية اجتماعية بطبعك، فإن المشاركة في الأنشطة غير الرسمية للفريق يمكن أن تكسر الحواجز وتبني علاقات أقوى.
مساحة عملك، سواء كانت مكتبًا أو مساحة مشتركة أو حتى منزلك إذا كنت تعمل عن بُعد، يجب أن تكون ملاذًا لك. نظم مساحتك المادية؛ فوضى بيئة العمل يمكن أن تسبب فوضى ذهنية، لذا حافظ على مكتبك نظيفًا ومنظمًا. قلل المشتتات؛ حاول تقليل الضوضاء أو التشتت البصري، واستخدم سماعات عازلة للضوضاء إذا احتجت. خصص وقتًا للانفصال؛ إذا كنت تعمل عن بُعد، ضع حدودًا واضحة بين وقت العمل ووقت الراحة، وأغلق إشعارات العمل بعد ساعات الدوام. خذ فترات راحة منتظمة؛ الابتعاد عن شاشة الكمبيوتر أو المكتب لبضع دقائق يمكن أن يجدد طاقتك ويقلل التوتر.
صحتك الجسدية والنفسية هي أساس قدرتك على التعامل مع أي ضغوط في العمل. النوم الكافي والتغذية الصحية هما وقود جسدك وعقلك؛ ونقص أحدهما يزيد من تعرضك للتوتر والإرهاق. النشاط البدني يساعد على تقليل التوتر، تحسين المزاج، وزيادة مستويات الطاقة. تعلم تقنيات بسيطة لإدارة التوتر مثل التنفس العميق، التأمل الواعي، أو ممارسة الهوايات التي تستمتع بها. وإذا كنت تشعر أنك لا تستطيع التعامل مع الضغوط بنفسك، فلا تتردد في طلب المساعدة من معالج نفسي.
خلق بيئة عمل آمنة لك ليس مجرد حلم؛ إنه استثمار في صحتك، سعادتك، ومسيرتك المهنية. ابدأ بخطوات صغيرة، كن واعيًا لاحتياجاتك، وتذكر أن رفاهيتك هي أولويتك القصوى. ففي نهاية المطاف، عندما تكون أنت بأفضل حال، يمكنك أن تقدم أفضل ما لديك.